قلعة صلاح الدين الأيوبى تقع فى حى "القلعة" - قسم الخليفة - وقد أقيمت على إحدى الربى المنفصلة عن جبل المقطم على مشارف مدينة القاهرة .
وتعتبر قلعة صلاح الدين الأيوبى بالقاهرة من أفخم القلاع الحربية التى شيدت فى العصور الوسطى فموقعها إستراتيجي من الدرجة الأولى بما يوفره هذا الموقع من أهمية دفاعية لأنه يسيطر على مدينتى القاهرة والفسطاط ، كما أنه يشكل حاجزا طبيعيا مرتفعا بين المدينتين كما أنه بهذا الموقع كان .. يمكن توفير الاتصال بين القلعة والمدينة فى حالة الحصار كما أنها سوف تصبح المعقل الأخير للاعتصام بها فى حالة إذا ما سقطت المدينة بيد العدو.
ولقد مر بهذه القلعة الشامخة الكثير والعديد من الأحداث التاريخية حيث شهدت أسوارها أحداثا تاريخية مختلفة خلال العصور الأيوبية والمملوكية وزمن الحملة الفرنسية على مصر سنة 1798م ، وحتى تولى محمد على باشا حكم مصر حيث أعاد لها ازدهارها وعظمتها.
_ولقد كان السلطان الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب أول من فكر ببناء القلعة على ربوة الصوة فى عام 572هـ/1176م حيث قام وزيره بهاء الدين قراقوش الأسدى بهدم المساجد
والقبور التى كانت موجودة على الصوة لكى يقوم ببناء القلعة عليها حيث قام العمال بنحت الصخر وإيجاد خندقا اصطناعيا فصل جبل المقطم عن الصوة زيادة فى مناعتها وقوتها.
____________________________________________________________
سبب البناء:
وقد ذكر المؤرخون عن سبب بناء القلعة أن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب لما أزال الدولة الفاطمية من مصر واستبد بالأمر لم يتحول من دار الوزارة بالقاهرة ولم يزل يخاف على نفسه من شيعة الخلفاء الفاطميين بمصر ومن الملك العادل نور الدين محمود بن زنكى سلطان الشام فامتنع أولا من نور الدين بأن سير أخاه الملك المعظم شمس الدولة توران شاه بن أيوب فى سنة تسع وستين وخمسمائة إلى بلاد اليمن لتصير له مملكة تعصمه من نور الدين فأستولي شمس الدولة على ممالك اليمن وكفى الله تعالى صلاح الدين أمر نور الدين ومات فى تلك السنة فخلا له الجو وأمن جانبه وأحب أن يجعل لنفسه معقلا بمصر فإنه كان قد قسم القصرين بين أمرائه وأنزلهم فيها
موقع البناء:
يقال أن السبب الذى دعاه إلى اختيار مكان قلعة الجبل أنه علق اللحم بالقاهرة فتغير لونه بعد يوم وليلة فعلق لحم حيوان أخر فى موضع القلعة فلم يتغير إلا بعد يومين وليلتين فأمر
حينئذ بإنشاء قلعة هناك وأقام على عمارتها الأمير بهاء الدين قراقوش الأسدى فشرع فى بنائها وبنى سور القاهرة الذى زاده فى سنة أثنين وسبعين وخمسمائة وهدم الأهرام الصغار التى كانت بالجيزة تجاه مصر وكانت كثيرة العدد ونقل ما وجد بها من الحجارة وبنى به السور يحيط بالقاهرة والقلعة وقناطر الجيزة وقصد أن يجعل السور يحيط بالقاهرة والقلعة ومصر فمات السلطان قبل أن يتم الغرض من السور والقلعة
______ تسلسل الانشاء ________________
وهكذا ترى أنه على الرغم من أن الناصر صلاح الدين الأيوبى عندما أنشأ القلعة كان يريدها حصنا دفاعيا وملجأ كما هو مقدر فى اللوحة التأسيسية للقلعة وربما أرادها أيضا مقرا سلطانيا بعيدا عن سكان القاهرة الذين لم يكن على ثقة من ولائهم له فى بداية حكمه إلا أنه بعد اختيار الملك الكامل القلعة مقرا لإقامته ومركزا للحكم تحكم من خلاله مصر فقد بدأت العمارة بالتوسع خارج أسوار القسم المحصن باتجاه المدينة ، وبعد وفاة السلطان الكامل تولى الحكم ابنه العادل الثانى الذى حكم لمدة سنتين ثم قام أخاه الصالح نجم الدين أيوب باغتصاب الملك منه عام 637هـ/1240م حيث قام الصالح نجم الدين ببناء قلعة جديدة بجزيرة الروضة التى تقع وسط النيل الأمر الذى أدى إلى فقدان قلعة الجبل لأهميتها كمركز للسلطة والحكم طوال فترة الملك الصالح بسبب اختيار الملك الصالح نجم الدين الأيوبى الإقامة مع مماليكه المقربين فى قلعة الروضة وهم المماليك الذين عرفوا فيما بعد باسم المماليك البحرية نسبة إلى البحر أو النيل فى اللهجة المصرية.
وبعد وفاة الملك الصالح نجم الدين أيوب سنة 646هـ/1249م قام المماليك البحرية بقتل ابن الملك الصالح وخليفته المعظم بن الصالح وانتزاع حكم مصر من الأيوبيين وتولت " شجر الدر " زوجة الملك الصالح نجم الدين الحكم سنة 648هـ/1250م.
................... وبانتزاع الحكم من الأسرة الأيوبية تم تأسيس دولة جديدة هى دولة المماليك البحرية التى ما لبثت أن قضت على الإمارات الأيوبية فى بلاد الشام وامتد حكمها لمدة قرن ونصف تقريبا من سنة 648هت/1250م على سنة 783هـ/1385م وكان مقدرا للمماليك البحرية أن يصبحوا حكام قلعة الجبل بعد أن قاموا بإعادة مركز السلطة إلى قلعة صلاح الدين الأيوبى ، ولقد استمر المماليك البحرية فى اتباع ما بدأه الملك الكامل فبنوا قصورهم فى نفس الموقع الذى اختاره الملك الكامل كما تطور السور الجنوبى للقلعة فى العصر المملوكى فأصبح يضم عدة قصور وحدائق وجامعا كبيرا وإيوانا عظيما للمواكب السلطانية.
ولقد استمرت أعمال التطوير والبناء بقلعة الجبل حتى عصر الناصر محمد ابن قلاوون إلا أنه بعد وفاته سنة 742هـ/1348م أهملت قلعة الجبل حيث لم تذكر لنا المصادر سوى ثلاثة فقط من العصر المملوكى البحرى قاموا بإضافة منشآت جديدة بالقلعة وهم الصالح إسماعيل بن الناصر (743-746هـ/1343-1345م) ، والناصر حسن ، والأشرف شعبان بن حسين وتتمثل هذه المنشآت بإضافة كل منهم لقاعة جديدة فى منطقتى الحوش السلطانى التى أسسها الناصر محمد بن قلاوون أساسا لحديقة ملحقة بحرم الحريم.
أما فى العصر المملوكى الجركسى الذى يؤرخ بتولى السلطان الظاهر فرج بن برقوق الحكم سنة 787هـ/1385م وتطورت بعض مبانى القلعة حيث نجد أن السلطان فرج بن برقوق قد جعل جلسات دار العدل بمنطقة الإسطبل السلطانى وترك الإيوان الكبير حيث استعمل لهذا الغرض منشاة أطلق عليها اسم "الحراقة" وعندما تولى السلطان الغورى الحكم سنة 905هـ/1501م قام بالتوسع باتجاه الميدان الناصرى.
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>> وقد بدأ محمد على باشا أعمال التجديد والإصلاح بالقلعة هذا وتنقسم الأعمال التى قام بها محمد على باشا بالقلعة إلى قسمين : الأول وهو أعمال الإصلاح والتجديد بأسوار القلعة بقسميها الشمالى والجنوبى بالإضافة إلى تجديد أبواب القلعة القديمة وإضافة باب جديد لها عرف بالباب الجديد.
أما الثانى فهو أعمال العمائر التى قام محمد على باشا ببناءها بالقلعة وهى منشآت جديدة بنيت فوق منشآت من عصور سابقة أو تجديد لمنشآت قديمة وإعادة استغلال مبانيها مرة أخرى حيث تنوعت هذه العمائر ما بين عمائر دينية وعمائر مدنية ومصانع حربية ومنشآت تعليمية ومبان ودواوين حكومية وحربية لتعود قلعة صلاح الدين الأيوبى إلى سابق عهدها وتظل مركزا للحكم إلى أن تولى الخديوى إسماعيل حكم مصر سنة 1280هـ/1863م فقام سنة 1876م بنقل مركز الحكم من القلعة إلى قصر عابدين حيث ظلت مصر تحكم منه حتى قيام ثورة 23يوليو سنة 1952م.
وعندما احتلت مصر سنة 1882م اتخذت القلعة مقرا لقيادة أركان الجيش البريطاني الذى ظل بها حتى سنة 1946م عندما تم جلاء الإنجليز من القلعة فى عهد الملك فاروق الأول وتم رفع العلم المصرى بها حيث تسلمها الجيش المصرى وظلت تحت قيادته إلى أن تسلمتها هيئة الآثار المصرية سنة 1983م فقامت بالعديد من أعمال الترميم والإصلاح وفى سنة 1994م قام المجلس الأعلى للآثار بترميم السور الشمالى وبعض المبانى