شباب ما قبل الزواج
عندما كان يبلغ الفتى المصرى سن المراهقة كانت أحلام إرتباطه بفتاة جميلة تداعب قلبه وروحه ،وكذلك الحال عند الفتيات ،وقد كان هناك إتجاه إجتماعى يميل إلى الغزل والإختلاط بين الجنسين حيث بلغ حد التغزل بين الشباب أن تمنى أحدهم لو أن باب محبوبته مصنوع من قش ومزلاجه من غاب فيتخطاه بسهولة ويسر ويتحدى أخر بقوله أنه سيتخطى كل الصعاب فى سبيل إرضاء محبوبته فحتى لو كان بينهما تمساح لتخطاه أو بحر لجى لتعداه ،ويفجر أخر ويقول " لإن لم تجعلها تتبعنى لأشعلن النار فى بوزير ولأحرقن ضريح أوزير !" وكان هذا الإتجاه متواجد لدى الفتيات فتصر إحداهن على الزواج من حبيبها "حتى لو شردوها إلى الشام أو ذهبوا بها إلى النوبة" وهناك الكثير من القصائد اللاتى نظمنها للتعبير عن الحب الكامن فى الصدر، وفى المقابل فقد عارض هذا الإتجاه إتجاه إجتماعى مغاير يرى فى الحشمة وقلة الإختلاط بالفتيات هو الطريق الأفضل ويتمثل ذلك فى قول الحكيم بتاح حتب لأبنه " أحذر مخالطة النساء ،فما طاب مكان حللن فيه،ومن سوء العادات أن يتلصص عليهن إنسان ،وكم من أمرئ ضل عن رشاده حين أستهواه جسد براق ، ثم تحول إلى هباء ،وأصبحت فترات إستمتاعه القصار أضغاث أحلام ،وأفضت به إلى الهلاك " ويقول الحكيم آنى " أحذر المرأة الغريبة ،ولا تطل النظر إليها عندما تمر بك،ولا تكن لك بها أيه صلة ،ولا تقضى منها وطراً إنها ماء عميق الغور لا يعرف حناياه...." .
وهكذا فقد حدث نوع من إختلاف وجهات النظر بين الأباء والأبناء كما هى طبيعة أى مجتمع.
تقاليد الزواج
لم تصل إلينا وثائق أو نقوش توضح طقوس وعادات الزواج بشكل صريح ولكن يمكننا وضع خطوط عامة لتقاليد الزواج فى مصر القديمة ، فأما سن الزواج فكان فى الغالب يكون 15عاماً للشاب و12 للفتاة وكان الشاب يطلب من والد محبوبته أن يزوجها إياها وغالباً ما كان يتم رفض الطلب من قبل الأب حيث كانت الحجة بأن وقت الزواج لم يحن بعد ،ومن الغريب أن المجتمع المصرى كان متسامح إجتماعياً فى مسألة الزواج فقد يتزوج الأمير من إحدى خادماته وقد تتزوج الأميرة النبيلة من خادم أبيها ولا حرج فلم تكن هناك عقدة إجتماعية بخصوص هذة المسألة بل كان إستمرار الزواج مبنياً على التوافق الثقافى بين الأسرتين ، ودائماً ما كانت المرأة المصرية تتزوج من مصرى مثلها ذلك لأن الثقافة الإجتماعية فى هذا الوقت كانت تنطوى على قدر كبير من القوميه والنرجسيه إذ كان المصريون يعتبرون أنفسهم من النبلاء أما باقى الشعوب فكانوا بالنسبة لهم رعاة لا يصلون إلى هذا المستوى من الرقى ويتجلى هذا الأمر فى رفض أمنحتب الثالث طلب الملك البابلى (كادشمان إنليل الأول ) أن يزوجة من أميرة مصرية بقوله "لم يسبق لى أن أرسلت أميرة إلى أى أجنبى من قبل " فى حين أن زواج المصرى من أجنبيه كان مسموحاً به ويتجلى ذلك فى زواج أمنحتب الثالث من حيلوخيبا الميتانيه بالإضافة إلى عشرات الجوارى والفتيات الحسناوت اللاتى كن يرسلن إليه كهدية من قبل أمراء سوريا ورعمسيس الثانى الذى كانت له زوجة حيثيه ،هذا وكانت هناك فترة تمنح لكى يتمكن العروسين من إختبار كلاً منهما لطبائع الأخر (تشبه الخطوبة) وكانت تمتد لسنة فى الغالب الأعم ، و كان الزواج يتم فى المعبد ويقوم كاهن آمون بتوثيق عقد الزواج ( يشبه المأذون لدينا ) ،على أن هذة الصفى الدينية قد بدأت فى الإختفاء فى عهد الأسرة ال29 وكان من طرفا عقد القران هما العريس ووالد العروس على أن الأمر تغير منذ القرن السابع ق.م حيث سمح للمرأة أن تحضر عقد قرانها وخاصةً الثيب ، وكان الشهود يوقعون على عقد الزواج ونرى فى عقد زواج من طيبة أن الشهود ثلاثة وهم كاتب وكاهن ورئيس إسطبل وفى بعض الأحيان كان يتجاوز عدد الشهود إلى 16 وكان الزوج يقسم فى عقد الزواج بألهته وفرعونه على مكيال معين من الفضة والغلال يؤديه كمهر لعروسه (مقدم صداق) وكان يتم دفع القيمة المحددة لها بعد الزواج وكان يتعهد بإفيائه بالإلتزامات المتعدده لزوجته فقد ورد فى أحد العقود أن الزوج تعهد بتقديم مقدار من الزيت لزوجته ومقداراً من الحنطه وأن يمنحها راتباً شهرياً لإدارة شؤون المنزل و مصروف خاص لزينتها كل عام وتعهد بأن الرتب السنوى لزينة زوجته يختلف عن الراتب الشهرى لإدارة المنزل ، هذا وكانت الأموال مشتركة بين الزوجين حيث يقدم الرجل ثلثى المال وتقدم المرأة ثلث المال فإذا مات أحدهما ذهب ماله للورثة وأصبح حقاً للأخر أن يستمتع بنصيبه ، وكانت العروس تقدم أثاث المنزل (الجهاز) ويصر أهلها على كتابة قائمة بها كل ما قدمته من أثاث وأدوات ومن حلى وباروكات وقلائد وخلاخيل ( تشبه فكرة القائمة فى عصرنا الحالى ) ، هذا وكان الطلاق مباحاً فى حال إستحالة الحياة بين الطرفين وكانت العصمة فى يد الرجل حيث كان هو القائم على أمر الطلاق وكانت صيغة الطلاق هى " لقد هجرتك كزوجة لى ،و إننى أفارقك وليس لى مطلب على الإطلاق ،كما أبلغك أنه يحل لك أن تتخذى لنفسك زوجاً أخر متى شئت" .
وصايا الحكماء للإعتناء بالزوجة
قال بتاح حتب " إذا كنت عاقلاً فأسس لنفسك داراً ،وأحبب زوجتك حباً جماً ،وآتها طعامها وزودها بالثياب وقدم لها العطور لينشرح صدرها ما عاشت، وإياك ومنازعتها ،ولا تكن فظاً ولا غليظ القلب ،فباللين تستطيع أن تتملك قلبها ،وأعمل دائماً على رفاهيتها ،ليدوم صفاؤك وتتصل سعادتك"
وقال الحكيم آنى" لا تمثل دور الرئيس مع زوجتك ،ولا تقس عليها فى دارها ،إن أدركت صلاحها لا تسألها عن شئ أين موضعه إن كانت قد وضعته فى المكان المناسب ،أفتح عينيك وأنت صامت تدرك فضائلها ،و إن شئت أن تسعدها فأجعل يدك معها لتساعدها ،وتعلم كيف تمنع أسباب الشقاق فى بيتك ،إذ لامبرر لخلق النزاع فى البيت ،وكل أمرئ قادر على أن يتجنب إثارة الشقاق فى بيته إذا تحكم سريعاً فى نزعات نفسه "
زواج الإخوه
بالرغم من زواج أوزير من أخته إيزه ( فى الأسطورة المعروفه ) وست من أخته نبت حت وإنتشار هذا النوع من الزواج بين الملوك إلا أنه لم ينتشر بين أفراد الطبقة الوسطى أو الدنيا صحيح أن زواج الفرعون من أخته كان عرفاً مصرياً يؤكد على نقاء دم ولى العهد الجديد وصفاء ألوهيته إلا أن هذا لم يكن له أثر بين الطبقات الشعبيه فى ذاك الوقت حيث أن قمبيز عندما سأل قمبيز القضاة الملكيين عن جواز زواج الرجل من أخته أجابوه بالنفى مع إجازة ذلك له كملك ، إلا أن هناك ما يجعلنا نقول بأن زواج الفتاة من خالها كان مباحاً فالمدعوه باكت آمون صورت وهى جالسة فى مقبرتها بجانب خالها وهى تجلس منه كما تجلس الزوجة بجانب زوجها ،إلا أن هذة العادة لم يكن لها أى علاقة بالطبقات الشعبيه.
تعدد الزوجات
كان تعدد الزوجات منتشراً بين الشعوب من العرب واليهود وأنتشر أيضاً بين المصريين القدماء بدرجة ما ، حيث أنتشر بين الفراعنة والملوك بدرجة أكبر حيث تزوج رعمسيس الثانى بعدة زوجات كانت أشهرهن نفرتارى وتزوج خوفو بأكثر من واحدة وأما أمنحتب الثالث فقد أمتلأ قصره بالجوارى الحسناوات وكانت له أكثر من زوجة حيث متزوجاً من تى ومن حيلوخيبا الميتانيه والأمير ( مرة رع ) الذى كان متزوجاً بستة زوجات وتحتمس الثانى الذى متزوجاً من حتشبسوت ومن إيزة (أم تحتمس الثالث) و لكن على مستوى الطبقتين الوسطى والدنيا لا نجد لهذا الأمر تأثير كبير وهذا بسبب الظروف الإقتصادية وهذا بالرغم من جواز الأمر لكل مواطن.
ضرائر متسامحات!
تحدثنا النقوش عن ضرائر متسامحات فى مشاهد طريفة حيث صورت عجوزاً يئست من عقمها فأوحت لزوجها أن يتزوج من خادمة له وعندما أنجبت الخادمة أخذت العجوز أبنائها وتبنتهم وخصصت لهم نصيب من ثروتها وصورت أخرى مع أبناء ضرائرها الخمسة وهم يتمتعوا بمفاتن الحياة المختلفة ،أما أمينى وهو أحد نبلاء الدولة الوسطى فكانت له زوجتان ( حنوت ) و(نبت) فسمت الأولى بناتها باسم نبت وسسمت الثانية بناتها باسم حنوت .
كتاب : حضارة مصر القديمة د. إبراهيم مهران
كتاب :الأسرة المصريه فى عصورها القديمة ل د. عبد العزيزصالح