( الفرعون الذي يطارده اليهود – كتاب اليوم – سعيد أبو
العينين – ص 60) وهو وضع غير مألوف بالنسبة للمومياوات الأخرى التي بقيت
أيديهم – بعد فك اللفائف مطوية في وضع متقاطع فوق صدورهم كما هو واضح من
مومياء مرنبتاح ومما قاله أحد علماء الآثار عند مشاهدته للمومياء، عجيب أمر
هذا الفرعون الذي يرفع يده وكأنه يدرأ خطراً عن نفسه !! لعل قائل هذه
الكلمات وهو يلقيها – مجازاً أو تهكماً – لم يخطر بباله أنه قد أصاب – دون
أن يدري – كبد الحقيقة، وأنه قد قدم التفسير المحتمل لهذا الوضع الغريب
لليد اليسرى لمومياء رمسيس الثاني، وتصورنا لما حدث منذ أكثر من ثلاثة آلاف
عام وبالتحديد قبل 3223 عاماً (1225 ق.م + 1998م)
كما هو يلي:
قلنا
إن فرعون – وجيشه يتبعه – وصل إلى شاطئ البحر فوجد طريقاً مشقوقاً وسط
الماء فسار فيه وتبعه الجيش بجميع عرباته، وبدت على وجوه الجميع بسمة
الانتصار فما هي إلا ساعة أو بضع ساعة ويتم اللحاق ببني إسرائيل الهاربين
وتتم إعادتهم إلى مصر ثانية ولكن قبل النهاية بقليل بدأت قوائم الخيل
وعجلات المركبات تغوص في الوحل، ونزل الجنود ليدفعوا العربات المكسورة
جانباً لتمر العربات الأخرى، وغاصت البسمة من وجه رمسيس الثاني، وبدأ القلق
يتملكه – لماذا في هذه المنطقة بالذات بدأ الوحل ؟ وقد مرت منه جموع بني
إسرائيل وبقرهم وماشيتهم وفيها من الثيران ما هو أثقل من المركبات ولم تغص
أرجلهم في القاع، ولم يجد بدّاً من الانتظار حتى ينتهي جنوده من تخليص
مركبته من الوحل، ونظر ولم يصدق عينيه، ما هذا ؟ إنها موجة هائلة من المياه
قادمة نحوه، يا للهول، لقد بدأ البحر ينطبق، والمياه قادمة تجاهه هادرة
مزمجرة، وبحركة لا شعورية رفع يده اليسرى الممسكة بدرعه يتقي بها موجة
المياه المتدفقة نحوه وكانت لطمة المياه من الشدة وقبضة يده من القوة بحيث
حدث تقلص في عضلات ذراعه الأيسر وثبتت ذراعه ويده على هذا الوضع – ولما
غشيته المياه وفارقته الحياة ظلت يده على هذا الوضع ! ولا بأس من أن نتوقف
قليلاً لنذكر التغيرات التي تحدث في الجثة – أي جثة – بعد الوفاة، ومن
المعروف طبعاً أن العضلات هي التي تسبب الحركة في الكائن الحي، والعضلة
تتكون من خلايا عضلية، والخلية العضلية تتكون من خيوط عضلية وهي نوعان خيوط
سميكة وخيوط رفيعة مرتبة في تبادل على طول العضلة وعند الرغبة في تحريك
مفصل ما يصدر أمر من المخ يسري في العصب ويصل إلى العضلة المسؤولة عن حركة
المفصل، والتيار الكهربي الصادر من المخ ينتج عنه تفاعلات كيميائية متعددة
في موضع الاتصال العصبي العضلي تنتهي بأن تنشط خميرة خاصة تسبب تكسّر
بروتين معين هو A. T. P. فيعطي الطاقة اللازمة للحركة فتنزلق الخيوط
العضلية السميكة متداخلة بين الخيوط العضلية الرفيع فيقصر طول الخلية
العضلية أي يحدث انقباض العضلة وتحدث الحركة المطلوبة. بعد الوفاة تحدث في
الجسد المراحل التالية:
1-بعدما تغادر الروح الجسد تقف كلية أي إشارات
صادرة من المخ وترتخي جميع عضلات الجسم وهذا يسمى الارتخاء الأولي.
2-بعد
ساعتين يبدأ انقباض لعضلات الجسم كلها وهذا يسمّى مرحلة التيبس الرمّي
Rigor Mortis ويحدث التيبس في ترتيب بدءاً بالرأس وانتهاء بالقدم، فتيبّس
عضلات الوجه والرقبة ثم الصدر فالذراعين ثم الفخذين وأخيراً عضلات الساقين،
ويستمر التيبس الرمي لمدة 12 ساعة تقريباً ويصعب إحداث أي تغيير في وذع
الأعضاء أثناءه ولذلك يقوم من حضروا الوفاة بقفل جفون العينين أثناء
الارتخاء الأولي حتى لا تظل العينان مفتوحتين فيما بعد.
3-بعد ذلك تبدأ
البروتينات المكونة للعضلات في التحلل وترتخي العضلات ثانية وهذا يسمى
الارتخاء الثانوي ويبدأ أيضاً من الرأس إلى القدم.
4-ثم يعقب ذلك
المرحلة الأخيرة وهي التعفُّن. هذه هي المراحل التي يمر بها الجسد في حالة
الوفاة العادية، أما في حالات الوفيات غير الطبيعية
– ولنأخذ كمثال
حالات الانتحار، والشخص الذي يقدم على الانتحار يكون في حالة توتر عصبي
شديد يبلغ أقصاه في اللحظة التي يزهق فيها روحه ويحدث انقباض في الحال في
عضلات الجسم كلها وذلك يسمى التوتر الرمّي Cadaveric Spasm ( بدلاً من
الارتخاء الأولي ) ويعقبه التيبّس الرمي وتظل العضلات منقبضة، وكثيراً ما
يجد الأطباء الشرعيون يد المنتحر قابضة على المسدس المصوب إلى الرأس ولا
يمكن تخليص المسدس إلا بعد أن يحدث الارتخاء الثانوي كذلك قد يجدون يد
القتيل وقد قبضت على قطعة من ملابس القاتل أو خصلة من شعره ويكون هذا أول
الخيط الذي يتبعه المحققون لتحديد شخصية القاتل فيقبض عليه وينال جزاءه
كذلك في حالات الغرق يحدث توتر رمي في اللحظات الأخيرة وكثيراً ما توجد
أيدي الغرقى قابضة على قطعة صغيرة من الخشب أو حفنة من طين القاع.
|
مومياء رمسيس الثاني ملفوفة بلفائف الكتان قبل نزعها( المتحف المصري) |
وذلك ما حصل لرمسيس الثاني في لحظة الغرق، إذ بلغ به
التوتر العصبي الشديد أقصاه فحدث التوتر
الرمّي وتيبّست يده اليسرى على الوضع التي كانت فيه ممسكة بالدرع تتقي به
المياه، ولعل لطمة المياه كانت من الشدة بحيث أفلتت الدرع من قبضة يده ولكن
اليد ظلت في هذا الوضع وحدث التوتر الرمي وأعقبه التيبّس الرمي، وكان
المفروض أن يحدث الارتخاء الثانوي بعد 12 أو 20 ساعة، ولعله حدث في كل
أجزاء الجسم إلا في اليد اليسرى فقد بقيت عضلاتها في الانقباض الذي كانت
عليه لحظة الغرق ولاحظ المحنطون ذلك وكلما وضعوا الذراع إلى جانبه أو ضموها
إلى صدره عادت لترتفع ثانية إلى هذا الوضع وتم التحنيط ودهنت الجثة
بالزيوت والرتنجات والمراهم وتسرب بعضها إلى العضلات والمفاصل وأصبحت
العضلات مثل المطاط واحتفظت المفاصل بنعومتها، وكلما أعادوا اليد إلى الصدر
ارتفعت ثانية فأحكموا ربطها إلى الصدر باللفائف التي كانت تلف بها الجثة
وظلت مربوطة إلى صدره، ومرت قرون وقرون وأكثر من ثلاثة آلاف عام، ولما عثر
على الجثة في خبيئة الدير البحري ونقلت إلى متحف بولاق وقام خبير الآثار
عام 1902 بفك الأربطة قفزت اليد إلى الوضع الذي تيبست عليه لحظة الغرق وهي
ممسكة الدرع ليحمي الفرعون نفسه من لطمة موجة المياه القادمة نحوه ! نحن
الآن أمام ظاهرة فريدة لا يوجد مثلها في مومياوات الفراعين الآخرين، ولم
يتمكن أحد من علماء الآثار تفسيرها ولا يستطيع الطب الشرعي أن يفسر لماذا
لم يحدث الارتخاء الثانوي في هذه اليد بالذات، وكيف احتفظت العضلات بخاصة
الانقباض أو اكتسبت خاصية مطاطية في هذه اليد بالذات، وكيف احتفظت العضلات
أو اكتسبت خاصية مطاطية بحيث تعيد اليد إلى هذا الوضع بعد ما يزيد عن ثلاثة
آلاف سنة، إن قطعة من المطاط الحقيقي لو ظلت مشدودة لمائة عام فمن المؤكد
أنها ستفقد خاصيتها المطاطية ولن تعود إلى الانكماش ثانية، فما بالنا بعضلة
مفروض ألا تنقبض إلا بأمر صادر من المخ، وحدث بها توتر رمى أعقبه تيبس
رمى، ثم لا يحدث – كما هو مفروض – ارتخاء ثانوي وتظل الخيوط السمكية
والرفيعة محتفظة بترتيبها وخاصيتها لعدة آلاف من السنين، وما إن يتم فك
لفائف الكتان عن اليد حتى تنزلق الخيوط السمكية بين الخيوط الرفيعة فيقصر
طول العضلة وترتفع اليد أليس هذا خرقاً لكل ما هو معروف من نواميس الطبيعة ؟
وتعريف المعجزة أنها خرق لنواميس الطبيعة، ولا يكون أمامنا إلا التسليم
بأن اليد اليسرى لرمسيس الثاني هي الآية و(من خلفك ) هم الأجيال منذ بداية
هذا القرن وتحديداً منذ عام 1902 عندما اتخذت يد رمسيس الثاني هذا الوضع
بعد فك اللفائف عنها، وإن كان كثر من الناس قد غفلوا عن مغزاها إلى أن تم
لفت النظر إليها.
|
مومياء رمسيس الثاني منظر جانبي يوضح اليد اليسرى مرفوعة وهو وضع مغاير لجميع المومياوات الأخرى
|
|
مومياء رمسيس الثاني منظر جانبي يوضح اليد اليسرى مرفوعة منظر آخر بزاوية مغايرة
|
|
مومياء مرنبتاح واليدان متقاطعتين ومستريحتان على الصدر |
{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ
بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ
النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } .
بقيت كلمة.. هي قوله تعالى: {النَّارُ
يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ
أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } . وجميع المفسرين يرون أن هذا العرض يكون في البرزخ
بالإضافة إلى أشد العذاب الذي سيدخله آل فرعون يوم القيامة فيكون العرض على
النار غدواً وعشياً نوعاً من عذاب القبر، وفي حديث صخرة بن جويرة عن ابن
عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الكافر إذا مات عرضت روحه
على النار بالغداة والعشي ثم تلا: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا
غُدُوًّا وَعَشِيًّا } وإن المؤمن إذا مات عرض روحه على الجنة بالغداة
والعشي ) تفسير القرطبي جـ 15 ص 319). نقطة أخيرة قبل أن نترك موضوع رمسيس
الثاني فقد اقترح البعض تحليل مومياء رمسيس الثاني وتقدير نسبة الملح في
الأنسجة للحصول على دليل على غرقه في ماء البحر المعروف بملوحته، ولكن ما
سبق أن ذكرناه في مراحل التحنيط أن الجثة – بعد إفراغها من الأحشاء – تملأ
بملح النطرون المركز يجعل مثل هذا التحليل غير
مجدي.
|
صورة لبعض الأكواب التي كان يستعملها رمسيس الثاني (المتحف المصري) |
|
خاتم ذهبي كان يرتديه رمسيس الثاني (المتحف المصري) |
|
كريسي العرش الذهبي الذي كان يجلس عليه الفراعنة |
|
العربة الذهبية التي كان يركبها الفراعنة أثناء تنقلاتهم حيث كانت تجرها الخيول
|
يقول الله تعالى عن فرعون وجنوده (كم تركوا من جنات
وعيون*وزروع ومقام كريم* ونعمة كانوا فيها فكهين * كذلك وأورثناها
قوما آخرين) [الدخان].
الي اللقاء في الجزء
الخامــــــــــــــــس