عندما يرحل..... الحب
مهما بلغت العلاقة بين اثنين ,ومهما تصور كل منهما انه قد صار
يعرف الاخر كما يعرف نفسه
فما من مرة يمكن الحصول منها على جواب منطقى
عندما يرحل الحب ...
ففى لحظة ما ,تبدو دوما غاضمة مفاجئة ,لاحد طرفى المعادلة
قد يسمع احد الطرفين من الطرف الاخر عبارة
لم اعد اشعر بك كالماضى ......
ومع سماعها ,يصاب ذلك الطرف بالدهشة ...
والغضب ...
والحيرة ايضا ..
ففى كل المرات ,مهما تعددت الحالات ,يحدث هذا فجأة..
وبلا مقدمات...
وهذا ليس واقع الامر, ولكنها الصورة التى تبدو دوما للطرف المصدوم
والمطالب بالخروج من اللعبة ...
وهى صورة غير صحيحة ..
فى كل الاحوال...
فالواقع أنه تكون هناك دوما مقدمات.....
وتمهيدات ...
واشارات ...
وتلميحات...
ولكنه لا يراها او يشعر بها او حتى يدركها ...
ولعل هذا احد اهم اسباب الانفصال ....
فمع بداية الحب
تنتاب كل منا شراهة عجيبة ,تدفعنا الى ان ننهل من حبنا هذا
بمنتهى النهم ...
ولان الحب فى مجمله عزير وفياض ,فنحن ننهل ,وننهل
وننهل,حتى نتصور انه نبع لا ينضب ابدا...
ولكن الحب ليس نبعا خالدا...
انه نبع طبيعى ,محدود الكمية , على الرغم من غزارته ..
والينابيع الطبيعية ترتوى بمياه الامطار , ثم تمنحنا ماءها العذب...
والحب ايضا يحتاج الى تلك الامطار
ليبقى...
ويستمر...
ويستقر...
والامطار هى مردود الحب ...
فأنت تنهل من حبيبك بقدر ما تستطيع ,وتمنحه ايضا بقدر ما يمكنك
حتى ينهل ويرتوى منك بدوره...
لو فعلتها فسيبقى الحب ...
وينمو ...
وينتصر...
ولكن من الواضح ان كل ما ندركه عن الحب هو الاخذ, وليس العطاء...
الاستمتاع وليس المسئولية ..
لذا فهو ينهار بسرعة...
ويذبل ...
ويرحل...
وعندما يرحل الحب , يبدا العذاب الاكبر...
ففراغ ما بعد الحب , لايمكن ان يشبه اى فراغ اخر
فى اية مرحلة مختلفة من الحياة ..
وبالذات فراغ من قبله...
فقبل ان نحب نعانى من فراغ القلب , ولهفته الى الحب ...
والتقارب ..
وتبادل المشاعر ...
والعواطف ...
والاحاسيس..
ثم ياتى الحب ...
ومعه ياتى كل هذا ...
ويخفق القلب ..
وينتعش ...
ويحيا كما لم يفعل من قبل ..
ابدا..
ومع استمرار الحب يعتاد المرء هذا الشعور ...
ويدمنه .....
ويتعايش به ...
ومعه...
ثم تاتى تلك الصدمة ..
ويرحل الحب ...
ومع رحيله تنهار كل تلك المشاعر , وتترك فى القلب خلفها فراغا...
فراغا هائلا كبيرا...
فراغا ليس بحجم القلب ..بل بحجم الكيان كله ...
وربما اكبر منه ...
ألف مرة ....
وللوهلة الاولى , قد يغضب المرء لانه قد فقد الحب ....
ثم ومع مرور الوقت يتحول الغضب الى مرارة ..
ولوعة ...
وفراغ...
القلب الذى اعتاد ان يخفق كطير سعيد , توقفت خفقاته ,وانهارت سعادته
ولم يعد لديه مبرر واحد ليبقى فى صدر محب قديم ....
وتنهار المشاعر كلها , واحدا بعد الاخر ,كما لو انها كانت مربوطة
كلها بخيط واحد....
خيط حب...
وفى بعض الاحيان , قد يودى هذا الى مراجعة النفس...
ومصارحتها...
وكشف اسباب الرحيل ..
وفى تلك الحالات يتضاعف العذب اكثر ..
واكثر ..
واكثر..
فالمرء يدرك عندئذ انه المسئول عن الفراغ...
ان اهماله لعواطف ومشاعر شريكه, هى التى قتلت الحب ....
ولحظتها سيشعر بالندم ...
والالم...
وعذاب الذات ...
وربما يسعى بكل طاقته لتصحيح الخطأ , واستعادة من يحب ..
ولكن نادرا ما ينجح هذا ....
فالطرف الاخر عانى العذاب نفسه من قبل , ولكن بصورة عكسية تماما...
عاناه وهو يحاول ان يوضح الصورة ...
وينيرها ...
ويلقى الضوء على نقاط القصور ...
والانانية ....
والفشل....
ولكنه واجه كل هذا بتجاهل تام من الاخر ...
او بعدم فهم ...
او بانانية , استولت على كل المشاعر وأهملت ردود الفعل
فى الجانب الاخر , اثناء انشغالها بتلبية متطلباتها , وتغذية متعتها .....
وعندها اتخذ الطرف الاول قرارا لم يكن سهلا او هينا...
بل جاء ايضا بعد عذاب ...
وعذاب ...
وعذاب...