العمارة الإسلامية
في مدينة القاهرة القديمة
المدينة الإسلاميةاستقر نظام المدينة عند المسلمين بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من إلى المدينة المنورة، حيث تكونت من المسجد الجامع وبيت الحاكم في مركز المدينة، و يلي ذلك السوق الكبير أو الشارع الأعظم الذي يربط أجزاء المدينة ببعضها، وبعد ذلك بيوت السكان ومباني الخدمات.
مدينة القاهرةومدينة القاهرة الحالية كمثال لمدن العصور الإسلامية، تكونت في البداية من فتح عمر بن العاص لمصر حيث بنى مدينة "الفسطاط" في سنة 21ﻫ/642م على نفس النظم، ثم بنى العباسيون مدينة "العسكر" سنة 132ﻫ/750م إلى الشمال الشرقي من الفسطاط، وعندما استقر أحمد بن طولون في مصر وبدأ في تأسيس دولة مستقلة عن الخلافة العباسية أسس مدينة "القطائع" في سنة 256ﻫ/870م، وبقى منها الشارع الأعظم المسمى الآن شارع الصليبة، والمسجد الجامع (جامع أحمد بن طولون)، وعندما استولى جوهر الصقلي على مصر وضمها إلى الخلافة الفاطمية التي كانت قائمة في المغرب أسس مدينة "القاهرة" سنة 358ﻫ/969م لتكون العاصمة الجديدة لهم، فأصبحت القاهرة بذلك العاصمة الرابعة للمسلمين بمصر، وكان تخطيط تلك المدن عامة عبارة عن مسجد جامع ودار الإمارة أو قصر الخليفة ومن حوله الخطط -الشوارع والحارات- الخاصة بسكن طوائف الجنود، غير أن القاهرة اختلفت عن المدن السابقة بالسور الملتف حولها والباقي منه عدة أجزاء حتى الآن. وكانت العواصم الثلاث الأولى قد ارتبطت ببعضها البعض حين بدأ جوهر الصقلي في بناء مدينة القاهرة إلى الشمال الشرقي منها، وكان يفصل القاهرة عن تلك العواصم في ذلك الوقت المنطقة التي بها بركة الفيل وبركة قارون، ولكن القاهرة بدأت بعد ذلك في الاتساع شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، وكان ذلك أمراً طبيعياً، وهو على أغلب الظن نتيجة لازدياد جيوش ورجال الدولة الفاطمية، وخاصة بعد حضور الخليفة المعز لدين الله إلى مصر سنة 362ﻫ/973م مع أفراد أسرته ورجال دولته، وازدياد أفراد الجيش في عهد ابنه العزيز بالله، وكان سكان مصر الأصليين يسكنون في مدن مصر السابقة (الفسطاط والعسكر والقطائع)، أما القاهرة المدينة الفاطمية الملكية فكان يسكنها الخليفة وحكومته وجيشه.
ذكر لنا مؤرخي العصور الوسطى بعد ذلك اتساع مدينة القاهرة الفاطمية وامتدادها في جميع الاتجاهات حتى اتصلت العمائر بالمدن السابقة عليها في الجنوب، وامتدت شمالاً إلى أن انتهت العمائر إلى منطقة العباسية الحالية شمالاً، وحتى منطقة ميدان رمسيس حالياً حيث شاطئ النيل غرباً، وامتدوا بالعمارة إلى سفح جبل المقطم بطول سور القاهرة الشرقي. وإذا تتبعنا هذه المناطق في كتب هؤلاء المؤرخين، نجد بها أوصافاً لكثير من العمائر السكنية وخاصة في الجهة الجنوبية، كما نجد أوصافاً للبساتين وبيوت النزهة للأمراء والأعيان خاصة في الجهتين الشمالية والغربية، أما الجهة الشرقية من المدينة تحت سفح جبل المقطم فقد وجدنا بها المقابر، وكانت هذه المقابر امتداداً طبيعياً للقرافة الكبرى التي كانت مقبرة مدينة الفسطاط -منطقة إسطبل عنتر الحالية- والقرافة الصغرى -منطقة الإمام الشافعي حتى ميدان السيدة عائشة الحالي-، وكانت الجهة الجنوبية في العصر الفاطمي عامرة بمساكن طوائف الجند وأفراد الشعب الذين التحقوا بخدمة الدولة، وتتابع بعد ذلك سكن عامة الشعب في هذا الظاهر حتى انتهاء الخلافة الفاطمية في القاهرة ونقل مقر الحكم إلى قلعة الجبل في دولة الأيوبيين، وبنى صلاح الدين الأيوبي في أثناء ذلك سوراً في سنة 566ﻫ/1171م وهو لا يزال وزيراً للخليفة العاضد أخر الخلفاء الفاطميين، ثم عند اعتلائه للسلطة بدأ في سنة 569ﻫ/1173م في تكملة هذا السور حتى يدور به حول القاهرة وعواصم مصر السابقة عليها، وبدأ في بناء قلعة الجبل في وسط هذا السور تقريباً على نشز من جبل المقطم في الجانب الشرقي لهذا السور.
وفي القرن 7ﻫ/14م طرح النيل أرضاً جديدة غرب القاهرة، فامتدت المدينة من ميدان رمسيس وحتى شاطئ النيل الحالي عند منطقة بولاق. وقد ظلت مساحة مدينة القاهرة كما هى إلى النصف الثاني من القرن 19م حين أنشأت مدينة جديدة بين شاطئ النيل والمدينة القديمة، وفتح شارع محمد علي من ميدان القلعة وحتى ميدان العتبة سنة 1290ﻫ/1874م وغيره من الشوارع الجديدة حتى تتصل المدينة القديمة بالمدينة الحديثة التي بنيت حينئذ لتكون باريس الشرق، ويربطها أيضاً بمحطة السكة الحديد الباقية حتى الآن.
العمائر في العصر الإسلامي
عرف المسلمون عدة أشكال من العمائر حسب احتياجاتهم في مختلف نواحي الحياة، كالعمائر الدينية والعامة والحربية.
أولاً: المباني الدينية
1- المسجد الجامعبنى الرسول عليه الصلاة والسلام مسجداً جامعاً حين استقر المسلمون بالمدينة المنورة، وكانت وظيفة هذا المبنى لتجمع المسلمين للصلاة الجامعة يوم الجمعة، وتعلم مبادئ الدين الجديد وتلقي ما ينزل من القرآن، وكان ملحق به تسعة حجرات لسكن زوجات الرسول r، دفن بالحجرة الأولى منها الخاصة بالسيدة عائشة التي كانت بنهاية جدار القبلة. وكان يتكون من سور من الطوب اللبن بني به مكان مظلل للصلاة من جذوع النخيل، وباقي المساحة داخل السور مكشوفة، وتطور المبنى بعد ذلك في عصر الخلفاء الراشدين إلى أن أصبح الجزء المظلل يلتف حول صحن مكشوف، ومن هنا نشأ نموذج المسجد الجامع الذي انتشر في العالم الإسلامي، وفي مصر عدة نماذج له أقدمها جامع عمر بن العاص الحالي وجامع أحمد بن طولون والجامع الأزهر. وأضيف للجامع في عهد الرسول منبراً من الخشب آتي من مصر، وكان يستخدم رمح لتحديد اتجاه القبلة، فأضاف المسلمين بعد ذلك المحراب الذي كان منتشراً في الحضارة البيزنطية بعد انتشار الدين المسيحي، لأن المسلمين وجدوا هذا التجويف مناسباً لتحديد اتجاه القبلة، ولوقوف الإمام به بدون أن يأخذ صفاً وحده، كما استعانوا بشكل القبة ووضعوها أعلى المحراب والمنبر لتهوية هذه المنطقة وإضاءتها والمساعدة على تكثيف الصوت لتوصيل صوت الإمام لأكبر عدد ممكن من المصلين، وقد أخذت هذه القباب عدة أشكال كالقبة بجامع الناصر محمد بن قلاوون بقلعة القاهرة، كما استخدم المسلمون سطح الجامع لوقوف المؤذن، ولكن مع الدولة الأموية استعاروا الأبراج من المباني الدينية السابقة لاستعمالها في الآذان، ومن أقدم مآذن القاهرة المتأثرة بشكل الأبراج مئذنة جامع الجيوشي أعلى جبل المقطم بالقاهرة التي ترجع إلى العصر الفاطمي، كما قلد المسلمين الزخارف الجدارية التي وجدوها في الحضارات السابقة سواء على الجص أو بالفسيفساء متعددة الأشكال، ولكن بعد الاستغناء عن الرسوم الآدمية والحيوانية والاحتفاظ بالزخارف النباتية والمناظر الطبيعية من نخيل وأشجار وأنهار وقناطر التي ذكرت في وصف الجنة في القرآن ونفذوها في الجامع الأموي بدمشق وقبة الصخرة بالقدس الشريف. وبذلك اكتمل الشكل العام للمسجد الجامع.
وقد ظهر في العصر العباسي إضافة "زيادة" عبارة عن سور حول الجامع من ثلاث جهات، جاءت إلى مصر مع جامع أحمد بن طولون، وفي العصر الفاطمي جاء شكل جديد عبارة عن صحن أوسط مكشوف يلتف حوله من ثلاث جهات فقط ثلاثة أروقة أو مظلل من ثلاث جهات فقط، ظهر هذا في الجامع الأزهر -ولكنه أكمل بعد ذلك- ولازال باقياً في جامع عمر بن العاص بدمياط وجامع زغلول برشيد.
ثم ظهر نموذج أخر للمساجد جاء من وسط آسيا (من البلاد الباردة) وانتشار في مصر بعد أن أصبحت تحت الحكم العثماني، ويتكون هذا الطراز من مصلى عبارة عن ثلاث أواوين يتوسطها دورقاعة (صحن مغطى) يعلوها قبة، وحرم عبارة عن صحن مكشوف يلتف حوله من أربعة جهات رواق واحد، ويعتبر جامع سليمان باشا بقلعة الجبل بالقاهرة هو المثل الوضاح له. وتطور هذا النموذج في القرن 19م حيث أصبح المصلى في جامع محمد علي عبارة عن مربع يتوسطه أربعة دعامات تحمل قبة مرتكزة على أربعة أنصاف قباب.
2 - المدرسة/ الخانقاةكان نظام التعليم في العصور الإسلامية مرتبط بالمسجد الجامع حتى القرن 5ﻫ/11م، حيث قامت الدول المستقلة عن الدولة العباسية في وسط آسيا ومنها دولة السلاجقة التي استولت على مناطق إيران والعراق والأناضول، وأرادت محاربة المذهب الشيعي والقضاء عليه ونشر مذاهب أهل السنة، وبنيت المدرسة المستنصرية بمدينة بغداد كأول مدرسة مختصة بالتعليم فقط في العالم الإسلامي على النظام الذي أخذت كل المدارس شكله بعد ذلك، وكانت مكونة من صحن أوسط مكشوف يتعامد عليه أربعة أواوين مخصصة لأصحاب المذاهب السنية الأربعة، ويلتف حولها مساكن لطلبة العلم والمدرسين ومكان للمكتبة وملحقات أخرى.
نشأ في هذا العصر أيضاً الخانقاه -مكونة من "خان" بمعنى بيت، و"آقا" بمعنى أستاذ بالفارسية، أي بيت الأستاذ- وخصص هذا المبنى لسكن المتصوفة الذين ينقطعون فيه للعبادة، وقد نشأ هذا النظام لمحاربة المذهب الشيعي أيضاً، لأن هذا المذهب انتشر في العالم الإسلامي عن طريق المتصوفة -الدعاة- المتجولين بين البلدان، وأخذ هذا المبنى نفس شكل مبنى المدرسة، وخير مثال لها خانقاه السلطان بيبرس الجاشنكير بمدينة القاهرة.
وقد بدأ انتشار نظام المدارس بمصر منذ بداية الدولة الأيوبية واستخدم في البعض منها بيوت الفاطميين، كبيت الوزير المأمون البطائحي في المدرسة السيوفية (جامع الشيخ مطهر الآن بشارع المعز لدين الله بالصاغة)، فكان تخطيط المدرسة في هذا الوقت مكون من إيوانين، حيث استعملت قاعة البيت المكونة من إيوانين متعامدين على صحن في التدريس لمذهبين، وهنا مثال باقياً لذلك هو دار الحديث الكاملية التي بناها الملك الكامل الأيوبي.
ثم أراد السلطان الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل بعد ذلك استخدام مدرسته لتدريس المذاهب الأربعة، فبنى مدرسته من جزأين كل جزء مكون من إيوانين متعامدين على صحن وفي الضلعين الآخرين توجد حجرات للطلاب والموظفين، ويجمع الجزأين واجهة واحدة يتوسطها المدخل الرئيسي تعلوه مئذنة، يؤدي إلى ممر يفصل بين الجزأين، والمتبقي منهما الآن جزء واحد فقط مع الواجهة، وفي العصر المملوكي بنى السلطان الظاهر بيبرس مدرسة مكونة من أربعة أواوين متعامدة على صحن أوسط مكشوف، ولكنها هدمت ولم يتبقى منها سوى أجزاء بسيطة، ثم وجدنا بعد ذلك أقدم مثال باقي لمدرسة مكونة من أربعة أواوين متعامدة على صحن في مدرسة السلطان الناصر محمد بن قلاوون بشارع المعز لدين الله.
جاء بعد ذلك السلطان حسن بن الناصر محمد بن قلاوون في منتصف القرن 8ﻫ/14م فبنى مدرسته على نظام جديد، لم يختلف كثيراً عن نظام المدرسة ذات الأربعة أواوين المتعامدة على صحن أوسط، ولكنه استخدم هذا التخطيط كمسجد جامع وأضاف في إيوان القبلة منبر من الرخام، ثم فتح في أركان الصحن المكشوف بين الأربعة أواوين الرئيسية أربعة أبواب يؤدي كل منها إلى ممر يؤدي إلى صحن مكشوف يفتح عليه إيوان لتدريس أحد المذاهب، وحول الصحن حجرات للطلاب والموظفين من عدة طوابق.
وقد ألحق بالمدارس -في الغالب- بداية من مدرسة السلطان الصالح نجم الدين أيوب قبة ليدفن بها صاحب المدرسة، وبقى الحال على ذلك حتى نهاية العصر المملوكي، لكنه أخذ عدة أشكال كقبة السلطان حسن التي بنيت خلف إيوان القبلة على طراز جاء من وسط آسيا.
وقد تطورت المدارس بعد ذلك طوال العصر المملوكي، وبدأ تخطيطها يرجع مرة أخرى إلى إيوانين فقط، كما غطي الصحن المكشوف بين الإيوانين بسقف خشبي أعلى من سقف باقي المدرسة وكان أقدم مثال لذلك المدرسة الجوهرية الملاصقة للجامع الأزهر، وألحق بالمدارس أيضاً الأسبلة والكتاتيب، كما أخذت تقوم بوظيفة الخانقاه والمسجد الجامع في غير أوقات التدريس كمجموعة السلطان قايتباي، وفي المقابل اعتنى المماليك بزخارف الواجهات والمآذن والقباب بالزخارف الهندسية والنباتية المنقوشة على الحجر.
ثانياً: المباني الحربيةعرف العرب بناء المدن الجديدة وتحصينها من الحضارات التي سبقتهم وخاصة الحضارة الرومانية والبيزنطية، وكانت وظيفة المدينة في معظم الأحوال لسكن الخليفة أو الأمير أو السلطان وعائلته وأفراد حكومته وطوائف الجيش، ولم يختلف هذا النظام طوال العصور الإسلامية، وكان يحيط بالمدينة سور يتخلله أبراج وأبواب لحماية من بداخلها وتحديد الداخل والخارج، ولم يختلف شكل الأبراج التي تتخلل أسوار المدن، أو التي تحيط بواباتها عن الشكل المربع أو المستطيل، أو الشكل الدائري، كما نرى ذلك في أبواب مدينة القاهرة الفاطمية وأبراج أسوارها، فباب النصر مستطيل الأبراج، وباب الفتوح وباب زويلة ذات أبراج مستدير، وكذلك في قلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة استعملت مختلف أنواع الأبراج.
المباني المدنية
أولاً: المباني التجاريةتنقسم المباني التجارية عموماً إلى وكالات وخانات وقياصر وأسواق، كما عرفت المدن الإسلامية الفنادق منذ بداية العصر الإسلامي وازداد انتشارها في العصر المملوكي بعد القضاء على الخطرين الصليبي والمغولي وتأمين طرق التجارة الدولية، واستمر هذا الانتشار بعد ذلك في العصر العثماني لتوسط مصر لطرق التجارة الداخلية للدولة العثمانية وكذلك الطرق الدولية، وكلمة [فندق] كلمة يونانية الأصل وعرفت في الإيطالية أيضاً، والواقع أن المؤرخين وكُتاب الوثائق لم يفرقوا بين الفنادق والوكالات والخانات والقياصر، وربما كانت الفنادق يغلب عليها استخدامها لغرض سكن التجار والقادمين إلى المدينة وكذلك الخان، وقد خصص كل مبنى منها لجنسية معينة في معظم الأحيان، وكان معظمها خارج المدن تبنى على الطرق التجارية، ولذلك حصنت بأبراج لحمايتها ولكنها لم تحصن كذلك داخل المدن، كما كان لها باب واحد فقط. أما الوكالة فقد جاء اسمها من التوكيل لسلعة معينة، وقد انتشرت داخل المدن عامة.
أما من جهة التخطيط المعماري في الطابق الأرضي، فبالنسبة للوكالة نجد هناك حوانيت لعرض البضائع المجلوبة من الخارج في الواجهات يتوسطها بوابة واحدة في وسط الواجهة وقد تتعدد الأبواب مع تعدد الواجهات، يدخل منها إلى صحن أوسط مكشوف يلتف حوله مخازن لتخزين البضائع ويكون السلم المؤدي إلى الأدوار العليا في أحد أركان الواجهة، ومثلها وكالة السلطان قايتباي التي ترجع القرن 9ﻫ/15م.
أما الخانات والفنادق، فقد تميزت بخلو الواجهات من الحوانيت، والدخول من الباب الرئيسي إلى صحن أوسط مكشوف تلتف حوله المخازن المعدة لتخزين بضائع المسافرين، وقد تأخذ هذه المخازن طابقين أو أكثر، ويكون السلم المؤدي إلى الأدوار العليا في أحد أركان الصحن الأوسط، كما هو الحال في وكالة الغوري التي ترجع القرن 10ﻫ/16م.
أما الطوابق العليا في الوكالات والخانات والفنادق فكانت تتكون من عدة طوابق، ويسمى هذا الجزء بالربع، وهى تسمية تعني في اللغة العربية مكان المسكن، ويشترك في ذلك الوكالة والخان والفندق، والربع عبارة عن وحدات سكنية مكونة من عدة طوابق للوحدة السكنية الواحدة، فيتكون الطابق الأول منها من مدخل يؤدي إلى ممر على أحد جانبيه مطبخ ودورة مياه، وعلى الجانب الآخر سلم يؤدي إلى الطبقات الأعلى من الوحدة السكنية، وينتهي هذا الممر بمدخل للقاعة التي تتكون من دورقاعة يفتح عليها إيوان واحد، وتتكون الطبقات الأعلى من كل وحدة من دورة مياه وقاعة فقط، كما هو الحال في وكالة الغوري، وقد تتكون الوحدة السكنية من طابق واحد فقط ويعلوها وحدة سكنية أخرى كما هو الحال في وكالة السلحدار بخان الخليلي التي ترجع إلى القرن 19م.
أما القيسارية، فقد جاء اللفظ من كلمة "قيصر" لأن أول من بنى مثل هذه النوعية أحد القياصرة الرومان، وأطلق عليها العرب كلمة "سوق"، ويطلق لفظ القيسارية في كثير من الأحيان على الشارع التجاري في المدن، كما هو الحال في الكثير من المدن المصرية حتى الآن، وكذلك يطلق على نوع من المنشآت التجارية، واعتماداً على ما ورد بالوثائق فان القيسارية عبارة عن بناء مستطيل أو مربع -في بعض الأحيان- به عدة أبواب (ستة أو أربعة أو خمسة أو غير ذلك)، وتشغل الواجهات الخارجية له حوانيت يتفاوت في عددها من واجهة إلى أخرى حسب المساحة واتجاه الطرق المطلة عليها، ويؤدي الباب الرئيسي إلى ساحة تفتح عليها حوانيت أخرى، ويعلو الحوانيت الداخلية والخارجية مساكن علوية "ربع" لسكن التجار كما هو الحال في باقي المباني التجارية، تختلف بحسب مساحة كل منها، كما في خان الخليلي الذي بناه السلطان الغوري في القرن 10ﻫ/16م، أو تكون الحوانيت من الداخل فقط تطل على الصحن أو الممر الأوسط -الذي يكون عادة شارع رئيسي، كما هو الحال في سوق السلاح الملاصق لجامع السلطان حسن الذي يرجع إلى القرن 8ﻫ/14م والذي يعتبر النموذج الوحيد في مصر الذي يغطي الممر فيه سقف حجري، وقصبة رضوان بك جنوب باب زويلة التي ترجع إلى العصر العثماني من القرن 11ﻫ/17م.
وقد غلب على التخطيط المعماري للأسواق في المدن الإسلامية بصفة عامة نمط الحوانيت المتراصة على جانبي الشارع الرئيسي أو الشوارع الفرعية، وقد أطلق لفظ السوق أيضاً في القاهرة على القياصر التي يجتمع في حوانيتها تجارة سلعة واحدة كسوق النحاسين والحريريين وغيرها، وفى بعض الأحيان كانت حوانيت الواجهة تكون سوق لسلعة معينة، وتكون الحوانيت التي حول صحن القيسارية سوقاً لسلعة أخرى، وفي كثير من الأحيان كانت ضفتي الشارع الأعظم تنقسم إلى سوقين مختلفين من حيث البضائع المشهورين بها وليس في شكل البناء. كما ظهر مبنى أخر ضمن الأسواق مكون عدة حارات على جانبي الشوارع الرئيسية -ثلاث في معظم الأحيان- على جانبي تلك الحارات حوانيت، كسوق الصاغة بالقاهرة التي بناها السلطان بركة خان ابن الظاهر بيبرس في القرن 7ﻫ/13م، وزنقة الستات (الزنقة تعني الزقاق عند أهل المغرب العربي) بالإسكندرية والتي ترجع إلى العصر العثماني.
ثانياً: الحماماتعرف المسلمين تلك المبني من الحضارة البيزنطية، وكانت الحمامات تؤدي وظيفة صحية كما كانت تؤدي في نفس الوقت وظيفة دينية وأخرى ترفيهية، حيث كانت تتم بها بعض مراسم احتفالات الخطبة والزواج والختان، وتعتبر الحمامات أيضاً من المنشآت التي تدر ربحاً منتظماً وفيراً، ومن ثم فقد حرص أصحاب الثروات على إنشائها ووقفها وقفاً أهلياً أو خيرياً على أغراض البر والتقوى كالمساجد والمدارس.
تتكون الحمامات معمارياً في معظم الأحوال من واجهة بها باب يؤدي إلى داخل وحدات الحمام، وباب أخر يؤدي إلى المساكن التي تعلوه إن وجدت، وآخر يؤدي إلى المستوقد المعد لتسخين المياه وبئر المياه ويعلوه الساقية التي تمد الحمام بالمياه وغير ذلك، ويؤدي باب الحمام إلى ممر يدخل منه إلى مسلخ -وهو المكان الذي ينسلخ فيه الإنسان من ملابسه- ويتكون هذا المسلخ في الغالب من دورقاعة (صحن مغطى بسقف خشبي يتوسطه قبة خشبية) تتوسطها فسقيه، يحيط بها أربعة أواوين، بها في كثير من الأحيان حجرات لاستراحة ميسوري الناس بعد الاستحمام، حيث يكون هذا المكان في درجة حرارة عادية ليستقبل المستحم بعد خروجه من البيت الأول ليرتدي ملابسه ويخرج إلى خارج الحمام، ويوجد بالمسلخ بابان يؤدي أحدهما إلى ممر به دورات المياه والبيت الأول (بيت حرارة أول)، ويؤدي الآخر إلى مستوقد الحمام، ويتكون البيت الأول من إيوان واحد -كما في حمامات مدينة القاهرة- مخصص للاستراحة بعد الاستحمام حتى لا يخرج المستحم دفعة واحدة إلى الهواء العادي بالمسلخ، وقد وجدنا في حمام عزوز الباقي إلى الآن بمدينة رشيد أن البيت الأول يتكون من إيوانين، ونجد في هذا المكان باب يؤدي إلى الجزء الثالث من الحمام، ألا وهو بيت الحرارة (بيت حرارة ثاني)، ويتكون في المعتاد من دورقاعة مثمنة يتعامد عليها أربعة أواوين يفتح منها ومن الأركان الأربعة الأخرى المكملة للمثمن أبواب تؤدي إلى حجرات (خلوات) ومغاطس، وسقوف البيت الأول والثاني عبارة عن أقبية وقباب يتخللها فتحات مستديرة في غالب الأحيان مغطاة بشرائح الزجاج الملون (مضاوي) للإضاءة مع حفظ الحرارة داخل المبنى.
ثالثاً: البيوترأينا فيما سبق نظام الرباع الذي كانت الطبقات المتوسطة والفقيرة تستخدمه في السكن، أما البيوت التي تعارفنا عليها مما بقى من المباني الأثرية فكانت للطبقات فوق المتوسطة من التجار ورجال الدين والأمراء، وكانت واجهتها في الغالب بها باب منكسر حتى لا يرى من بالشارع ما بداخل البيت، وباب أكبر من السابق يؤدي إلى إسطبل البيت، ثم تكون شبابيك الدور الأرضي المطل على الطريق ضيقة على شكل فتحات السهام حتى لا يرى الراكب على دابة في الطريق ما بداخل البيت، أما شبابيك الأدوار الأعلى فكبيرة مغطاة بأحجبة من الخشب الخرط -مشربيات- لتنظيم دخول الضوء، وعدم رؤية من بالمنزل لما بداخل البيت المواجه.
يتكون الطابق الأرضي من داخل البيت من صحن مكشوف يلتف حوله حواصل لتخزين احتياجات البيت لها شبابيك على شكل فتحات السهام، يوجد خلفها في العادة مطبخ البيت والإسطبل، وكان بالطابق الأرضي في بعض الأحيان كما في بيت السحيمي من العصر العثماني قاعات تتكون كل قاعة من دورقاعة في الوسط وإيوانين وسدلتين (السدلة هى الإيوان الصغير في المساحة)، وذلك عندما يكون صاحب البيت يستقبل كثير من الزوار كطلاب العلم أو التجار، كما أضيف في العصر العثماني في القرن 18م عنصر أخر عرف بالتختبوش، يكون في الجهة الشمالية من الصحن ويفتح عليه بكامل اتساعه وبوسطه عمود ليحمل الطابق الأعلى، ويفتح بشبابيك واسعة على الجهة الشمالية لاستقبال الهواء الرطب في الصيف.
أما الطوابق الأعلى، فيتكون الطابق الأول في العادة من المقعد والقاعة الرئيسية والحمام، والمقعد يكون عادة في الجزء الجنوبي من البيت ويفتح في اتجاه الشمال بعقود يحملها أعمدة تتعدد حسب المساحة، والقاعة عبارة عن دورقاعة وسطى مغطاة بسقف خشبي يتوسطه شخشيخة، ويلتف حوله إيوانين وسدلتين، ويكون في الإيوان الشمالي في العادة ملقف لتكييف هواء القاعة. أما الحمام فيتكون في المعتاد من جزءان -البيت الأول وبيت الحرارة- على اعتبار أن البيت نفسه يغني عن المسلخ لاستعمال أهل البيت وضيوفهم فقط للحمام ولن يخرجوا إلى خارج البيت دفعة واحدة. وتتكون الطوابق الأخرى للبيت من قاعات وحجرات لسكن أهل البيت.
رابعاً: الأسبلة والكتاتيبتخلف لنا من العصرين المملوكي والعثماني عدداً من المباني التي يُطلق عليها الأسبلة والكتاتيب، وهى عبارة عن مبنى مكون من ثلاثة طوابق، الطابق الأول منها تحت سطح الأرض ويسمى الصهريج، وهو مخصص لتخزين الماء، والطابق الثاني فوق سطح الأرض، وهو حجرة السبيل، وهى حجرة بها فوهة الصهريج التي يسحب منها الماء ويوضع في أحواض ليشرب منها عابري الطريق، وتكون هذه الأحواض خلف شبابيك حجرة السبيل المطلة على الطريق، وتطل حجرة السبيل على الطريق بشباك واحد أو أكثر على حسب الواجهات المطلة على الطريق، ويغطى واجهات الشبابيك أحجبه من النحاس، وأحياناً من الخشب والنحاس معاً، يوجد أسفلها عقود صغيرة من النحاس تتيح للمارة مد يدهم لأخذ طاسات الماء النحاسية المربوطة بسلاسل في شباك السبيل. ويعلو حجرة السبيل الطابق الثالث المخصص للكتاب، حيث يتعلم فيه الأطفال القراءة والكتابة والحساب ويحفظون القرآن، وكان بعضاً من هذه الكتاتيب مخصصاً للبنات. وكانت هذه المباني تلحق بالمباني الدينية -كمجموعات السلطان قلاوون والسلطان قايتباي والسلطان الغوري- والمدنية -كوكالة السلطان قايتباي ووكالة ذو الفقار بيك، وبيت الكريدلية ومنازل مدينة رشيد- وكذلك وجد الكثير منها مستقلاً كسبيل السلطان قايتباي وسبيل عبد الرحمن كتخدا.