بداية ظهور الرسوم الجدارية
بدأت حياة أنسان المغاور في طبيعة قاسية لا ترحم وكل من حوله عدو له , وقد بدأ في التعايش القسري مع الطبيعة العذراء والحيوانات المفترسة , كل ذلك جعل من حياته مدرسة يتعلم منها أسلوب وفكر وعقيدة عذراء , وهنا بدأ يجسد عالمه الفكري والمادي .
وأخذت تنشأ لديه أسئلة وأفكار حتى وصل بفكره إلى تجسيد الإنسان العاقل مشاعره ومعتقداته عبر كل الأنواع الفنية كالنحت والرسم والحفر, وكان من أهم إبداعاته التصوير الجداري والذي أخذ مساحات كبيرة ليعبر عن ما يختلج فكره من أحاسيس وأفكار تصور حياته الطبيعية والعقائدية .
هذه صور الصيادين راكضين خلف حيوانات تجري أمامهم و خلفهم , و طبعات أيدي على الجدران إلى الآن لم يستطع العلماء أن يفسروها تفسيرا قويا.
ماذا قصد إنسان الكهوف بهذا ؟ هل هي إمضاء شخصي ؟ هل هي شعوذة ؟ لم نجد الإجابة الشافية لهذه الإشارات ........ إلى الآن وما زال يطرح علينا أسئلة هنا وهناك ...ولكن أنحن عاجزين ؟؟؟؟.
لقد رسم فنانو العصور الحجرية مشاهد ذات مضامين ميتولوجية عميقة, واختاروا لتصويرها الأماكن الأكثر رهبة وتأثيرا في أعماق المغاور التي دخلوها , مما حول البعض تسمية هذه المغاور (المعابد الأولى ).
وقد لوحظ التركيز على رسم الحيوانات وخاصة الحصان والثور والأيل والمعز البري وأحيانا الرنة , وقد نفذت أشكال بشرية غريبة وإشارات غامضة , وقد خضعت فنون هذا العصر لدراسات وتفسيرات مختلفة , وقليل من الباحثين يعتقد أنها مورست لمجرد الفن , ويرى آخرين أنها تحمل مضامين سحرية لتسهيل عمليات الصيد .
وفي دراسة علمية متكاملة يرى بعضهم إن فنون الإنسان في فترة الباليوليت الأعلى تبرهن على وجود نظام ميتولوجي – اجتماعي متطور تحكمه عقائد معينة آمنت بها تلك المجتمعات .
مغارة لاسكو ولاموت و لومسيتير( lascaux- la Moute - le Moustier-) في فرنسا وأهمها لاسكو التي اكتشفت صدفة 1940 من قبل مجموعة من الصبية , وهي الأن تعتبر من أهم الوثائق في العالم التي تتحدث عن فكر وعقيدة , وحياة إنسان الكهوف الأول فقد عبّر هذا الإنسان عن حياته برسم مجموعة من الحيوانات منها الثور البري " الأرخص" (الصورة رقم "1") أو الجاموس الأوروبي الذي انقرض في بولونيا في القرن السابع عشر, وتعود هذه الرسومات الى عصر حجري أعلى حتى انسان هذه الكهوف كانت عنده تقنية عالية في كيفية صيد الحيوانات, فالمستطيلات المرسومة عند أقدام الحيوانات " الثيران " يمكن تفسيرها بأنها مصايد من النوع الذي يمسك بالفريسة حين تدوس عليها, وكانت صور الحيوانات تلون فوق بعضها البعض كما لو كانت أهمية الطقس تنصب على رسم الحيوان .
ويفسر العلماء هذه المشاهد بأنها تصوير لحوادث صيد حقيقي وليس مجرد رسوم طقسية , وهذه الصور رسمت ببساطة من الأحمر والبني والأصفر والأسود , وهي ألوان معدنية طبيعية تجذب النظر بقوة .
وهذا أيضاً شاهد أخر مغارة التاميرا( Altamira ) في شمال اسبانيا ولم يعترف بأصالتها حتى عام 1902 والحيوانات التي رسمت هي على شكل ثيران , وهي في الواقع من نوع البيزون " الثور البري " الملون بعدة ألوان ويغلب عليها التلوين بالمغرة الحمراء مع التظليل بثاني أوكسيد المنغنيز الأسود, وكان البيزون حيوان الصيد الرئيسي , وتم تأريخ هذه الجدران (عصر الباليوليت ) او بما يسمى ( العصر المجدليني period Magdalenian ) .
ولقد استخدم انسان الكهوف ( الباليوليت الاعلى ) تقنية متطورة في التلوين , فاستخدم المغرة الحمراء مع التظليل بثاني أوكسيد المنغنيز الأسود , وقد طحنوا الصخور واستخرجوا الألوان وكان عندهم تقنية عالية في عملية مزج الألوان مع بعضها بحيث تعطي لمعاناً , واستطاعت هذه الألوان اختراق ألاف السنين دون أن تبهت حيث كانت هذه المادة اللونية المسحوقة جيداً تدق بالمدق وتعجن وتخلط مع سائل يمكن أن يكون حليباً لأنه يحتوي على الكازيين "مادة بروتينية " ويمكن أن تكون شحماً ذئباً أو غرقد "بياض" البيض أو عسلاً أو نخاع العظم المحروق , حتى أنهم استخدموا الفحم لرش سائل ملون على الصخور ليعطي عدة أشكال , وغالباً يتم وضع اليد ومن بعدها يتم الرش على اليد فتظهر صورة اليد "طبعة اليد بصورة نيغاتيف Negative " وهي تعتبر نوعاً من الإمضاء الشخصي . ( الصورة رقم " 2 " )
لقد بدأت هذه الرسومات من البساطة والتجريد الى الواقعية والتعقيد , ويعتبر هذا الفن في هذه الفترة جسراً بين الواقع والفكرة , كل هذه اللوحات ليست في الواقع إلا جزء ضئيل من نظام كبير من المعلومات ومنطقتنا بالطبع لم تكن بمعزل عن هذا أبداً , ففي موقع شاتال هيوك chatal huyuk في وادي كونجا konja في أسيا الصغرى ( الصورة رقم "3 ") , حيث نقب فيه جيمس ميلارت James Mellaart والذي يعود إلى نيوليت ما قبل الفخارحوالي ( 6500-5650 ق.م ) حسب تحليل الكربون 14c , فقد وجد على جدران بعض البيوت ( السوية الرابعة ) رسوم فنية نادرة ومتطورة ترافقت مع مدافن غنية , وقد حوت هذه الرسومات الجدارية على ألوان متعددة ذات مواضيع كثيرة التنوع منها الخصوبة والموت والطبيعة , وصورت الحيوانات كالثور والغزال ومشاهد الصيد , وعثر على لوحة اخرى لمشاهد لصيادين يرقصون بالرماح والأقواس حول الغزلان .
وموقع تليلات غسول شمال البحر الميت وقد نقب فيه A.Mallon فقد عثر في إحدى البيوت على عناصر وأشكال تزيينية وهندسية ونجوما وصورا وأقنعة وأشكال ميثولوجية , ولبعض الاشكال لها صبغة واقعية ( طير له ذنب ) وأيضا تم العثور على مشهد ديني ايضا يتضمن ( معبودا ) جالسا , وأمامه أشخاص واقفون يقدمون له التكريم والطاعة , وتعود إلى الألف الرابع قبل الميلاد , وقد أرخ الموقع الى فترة العصر الحجري النحاسي ( 3200-4500 ) وقد نسب لهذا الموقع المهم بما يسمى العصر الغسولي .
وأيضا موقع كيلوا او قلوة جنوب الأردن عثر على مشهدا لصيد الوعول , ويعود إلى فترة احدث قليلا من شتال هيوك في تركيا .
وموقع أخر من المواقع المهمة هو أم الدباغية في العراق غرب مدينة الحضر , والذي تنسب إليه أيضا ثقافة أم الدباغية , ويعتبرموقعا من مواقع العصر الحجري الحديث ( 5700 ق.م ) فقد أعتقد العلماء ان هذه القرية كانت مركزا لتجارة جلود حيوانات الحمر الوحشية onager ( وربما اسم القرية اتى من المركز ( ام الدباغية )) , فقد دلت الرسوم التي نفذت بالألوان الحمراء على مشاهد تمثل صيد حمار الوحش من خلال قطيع من الحمر الوحشية تسير باتجاه مصائد نصبت على الارض .( الصورة رقم 4)
ويصل بنا المسير الى سورية والتي لم تكن بمعزل عن هذا بل على العكس كانت مهد الحضارة الأولى للانسان الأول , فهذا موقع تل المريبط " حوض الفرات الأوسط " , عملت فيه البعثة الاثرية الالمانية برئاسة الاستاذة ايفاشترومنغر Eva Strommenger , وقد تم العثورفي أثنين من البيوت على جدرانهما رسوما تصويرية تجريدية وأشكال هندسية , وقد أعتبر انسان المريبط أول من عرف الرموز و التجريد وخاصة الرسومات ,وتعد هذه الرسومات من أقدم الأثار التي تم اكتشافها في منطقة الشرق القديم.
وهذا موقع أخر هو تل بقرص "جنوب مدينة دير الزور" , ويعتبر أول موقع استعمل الكلس فيه بأكساءات أرضية وجدارية , حيث تم العثور على رسومات جدارية تعود الى الألف الثامن ق.م 8350-7350 ق . م (الصورة رقم "5 " ) , وهي عبارة عن رسومات تضم صفوفا من الطيور ذات القوائم الطويلة وقد تكون اللقلق , وقد استخدم اللون الاحمر ( المغرة ) وتعتبر هذه الرسومات من أقدم الرسومات التي عثر عليها في منطقة الشرق القديم حسب رأي علماء الآثار .
وفي موقع تل حالولة في محافظة حلب بالقرب من منبج , حيث تنقب فيه بعثة اسبانية برئاسة ميكايل موليست Miquel Molist , حيث اكتشف في المربع ( 4E ) في أرضية أحد البيوت ارضية من الجص ( plaster ) رسمت باللون بالأحمر وهي عبارة عن نسوة بلغ عددها 23 ( الصورة رقم 6 ) ويصور في المشهد شيئا من الطقوس , وقد وجدت هذه الرسوم عكس ماهو معتاد كما اسلفنا , ولكن لماذالم توجد على الجدران ؟؟؟ ومازالت الدراسات مستمرة , ومن خلال المقارنة مع شاتال هيوك وأم الدباغية في العراق وبقرص في سورية , نرى تقاربا واردا في الفترة الزمنية بينهما .
ونصل بنا الى موقع تل الرقاي شمال شرق سورية فقد تم العثور على قطع صغيرة في موسم 1989 , حيث نرى بقايا جسم شخص واقف وقفة غير نظامية كأنه سيجلس , ولا نرى منه سوى جسمه من الوسط عدا الرأس والرجلين .
وفي تل ممباقة في منظقة الفرات الاوسط , فقد عثر على احد الجدران رسوم جدارية رسمت باللونين الاسود والاحمر وعلى جص ابيض شخصين متواجهين وفي حالة الوقوف , وعيونهما كبيرتان وكأن لهما جدائل من الشعر الطويل تنساب خلفهما , ويرفعان ساعديهما من الكوع الى الاعلى, وكانهما يرقصان , والمشهد بشكل عام يحيطه خط متعرج وبخطوط متداخلة .
وتل حلاوة ( الصورة رقم 7 ) وتعود إلى فترة ما قبل العهد السرجوني ( الالف الثالث ق.م ) ولها مايشابهها أيضا في ماري لفترة اقدم من لوحات ماري المعروفة .
فقد عثر في الغرفة رقم 312 على لوحة جدارية من قبل البعثة الالمانية برئاسة وينفرد اورتمان Winfried Orthmann تمثل صورة وجه انسان بدائرتين كبيرتين وباللونين الاحمر والاسود , والانف والفم رسم بشكل واضح باللون الاحمر, والعيون ايضا ومحيط الدائرة رسم باربعة مربعات من كل زاوية وبزخرفة هندسية , وايضا يلحظ وجود رسوم اشخاص من كل زاوية ولكن الرسومات مشوهة .
هذه الرسوم علام تهدف اهي رسوم ميثولوجية ام رسوم تمثل الواقع ؟؟؟
وهذه الرسومات يمكن مقارنتها مع رسوم ممباقة ورسومات تل السويحات وتل حلاوة B , وخاصة الحدود الهندسية وفروع الشجرة ونماذج الشكل البشري "مديوسا" بأساليب شبيهة بالشعر وكأنها مرسومة بلون كستنائي وأسود على أبيض على خلفية طينية بيضاء .
ورسومات تل السويحات وهو من المواقع الهامة في محافظة الرقة , والرسومات عبارة عن صورة حيوان صغير يرضع من أمه , وربما تمثل الرسوم بقرة تقف على منحدر مائل بزاوية 45ْ .( الصورة رقم 8 )
ونصل الى ماري أحد أهم حواضر ممالك المدن الامورية في فترة الالف الثالث والثاني قبل الميلاد , وتقع ماري ( تل الحريري ) بالقرب من مدينة البوكمال السورية .
وأكتشفت من قبل الفرنسي أندريه بارو في 1933 ومازال التنقيب جاريا الى الان , وتعتبر ماري احد الممالك الامورية القوية والتي حكمت لفترة جيدة وانتهت على يد حمورابي في منتصف الالف الثاني قبل الميلاد ,وتم اكتشاف قصر يعود الى فترة ملكها زمري- ليم , والذي يعود الى الالف الثاني ق. م , وقد درس هذا القصر الشهير بشكل متأن , وتبين أنه يعود الى فترات تبدأ من عصر السلالات الباكرة مرورا بعصر أور الثالثة الى عصر ملك ماري زمري- ليم ( منتصف الالف الثاني ) .
ويتألف من أكثر من 300غرفة , ومن بين هذا الركام أكتشف في الباحة رقم 106 جدرانا مكسية بطبقة من الكلس السميك ومرسوما عليها بألوان متعددة , و بعد عناء كبير في تجميع مئات القطع الصغيرة والمفتتة ظهرت الى الوجود لوحة رائعة سميت ( بلوحة التنصيب l`investiture ) (الصورة رقم 9 ) والتي يصور فيها ملك ماري زمري- ليم بمشهد تنصيبه , بحيث يمسك العصا والحلقة رمز السلطة , واللتين تناوله إياهما الربة عشتار , ويحضر الإحتفال ربتان ورب آخر بصفة كفلاء , ويوجد في الحقل الثاني ربتا ينبوع محاطتان بأربع أمواج مليئة بالسمك , وقد عولجت هذه المشاهد باسلوب سومري بحت , وتعتبر من أفضل اللوحات التي أكتشفت , وهذه اللوحة تنسب الى الملك نفسه بحوالي ( 1775-1761 ق.م ) وهي فترة زمن حكمه , وطبعا هناك أراء كثيرة أجمعت ان اللوحات جميعها قد نفذت بفترات زمنية متلاحقة . وأيضاً تم تجميع لوحتان كبيرتان بالإضافة الى ألاف الشذرات والقطع تمثلان تقديم أضحية تحت رئاسة الملك يتقدم بخطى ثابتة على رأس حاشية يصحبها كاهن يسوق الثيران المخصصة للتضحية , وقد سميت أيضا بلوحة التضحية ( la sacrifice ) (الصورة رقم " 10 " ) , وقد رسمت هذه المشاهد على طبقة رقيقة من الطين وليسى الجص , لذلك احتاج تجميعها الى جهد غير عادي , وقد تألف سلم الألوان من الأسود والأبيض والبني المحمر وذلك بما يماثل ألوان رسوم الأواني الفخارية والجدران السومرية القديمة , ولم يتم العثور على اللون الأزرق أو الأخضر ولكن تم تمييز اللون الأصفر , وفي بعض المناطق رسمت الرسوم على جبس سميك أبيض اللون , لقد مثلت رسوم ماري وخاصة لوحة الإستقبال القاعة رقم 132 نموذجاً جيداً لفن الرسم في عصر النهضة السومرية وقد قطعت هذه الرسوم ثلاث مراحل :
1 - مرحلة عصر النهضة السومرية.
2- مرحلة العصر الكنعاني والأشوري القديم.
3- ومرحلة العصر الكنعاني البابلي القديم.
ويصل بنا المطاف الى دمشق وريفها , تل سكا أحد المواقع المهمة جدا في دمشق وريفها , حيث تعمل بعثة سورية وطنية برئاسة الاستاذ أحمد طرقجي منذ 1989 .
حيث أكتشف في أحد المواسم بقايا قطع مرسوم عليها بألوان زاهية , وهذه القطع وجدت في أرضية أحد الغرف , حيثث كانت متوضعة على احد الجدران , وبعد تجميع بعض القطع ظهرت لوحتان تعتيران من اهم ما اكتشف على الاطلاق في منطقة دمشق .
أحد هذه اللوحات , صورة لشخص" ربما يمثل ملكا "؟!وبطراز مصري واضح تماما, واللوحة عبارة عن صورة وجه جانبي يعتمر تاجاً ,ربما يمثل إلهاً وربما يمثل احد رموز مناطق مصر ونحن نعلم ان سوريا تعرضت لحملات مصرية متكررة عبر فترات زمنية متلاحقة , واللوحة هذه كما اسلفنا ربما تمثل ملكا او الها مصريا والدليل على ذلك هو أنه يخرج من التاج قرنين .
وفي منتصف التاج نرى قرص الشمس وتخرج منه الأشعة ضمن إطار التاج وهو على شكل قمع مقلوب , وربما هذه الصورة تمثل اوزيرس أواوزيس وقد نفذت هذه الرسومات (الصورة رقم 11") بطريقة البلاستر المصرية أو الرسوم الجدارية المصرية , حيث تم تجهيز الجدار وهو من اللبن وذلك بوضع طبقة من الطين بسماكة 2-4 سم , ومن ثم نفذت طبقات الأصابع عليها بحيث تعطي متانة والتصاقاً أكثر ومن ثم وضعت طبقة الرسم أو الطبقة الثانية , وهي أيضاً بنفس المواصفات وبعدها نفذت الرسوم عليها بطريقة البلاستر وغالباً ما تنفذ هذه الطريقة بطريقة السيكوsecco أي تنزيل الألوان على مونة يابسة "طبقة" وهذا يؤدي الى ضعف في الألوان والرسوم في حال كان الرابط بين اللون والطبقة ضعيفا , وهذا ما نلحظه بعد تعرض الألوان إلى أشعة الشمس أو الهواء يتغير لونها مباشرة وهذا دليل وجود استعمال طريقة خاصة لتحضير الألوان الترابية , ونلحظ وجود سماكات مختلفة أيضا وهذا دليل أيضا على طبقة ثانية من الرسوم مختلفة التنفيذ والألوان والأسلوب وربما الفترة الزمنية أيضا .
الطبقة الأولى من الرسوم طبقة رقيقة جداً منفذة على طبقة رقيقة من ( الجص ) , وفي هذه الرسومات نرى استخداماً مكثفاً للون الأزرق وهذا اللون معروف كثيراً في الرسومات الجدارية المصرية ونظراً لطبيعة تركيب اللون الضعيفة والحساسة لأشعة الشمس فنراها تبهت اثر تعرضها لأشعة الشمس , ويعود تاريخ هذه الرسومات الى القرن السابع - السادس عشر ق.م حسب آخر تاريخ افتراضي .
ونعود الى شمال سوريا وشاهد أخر على تطور الفن في القرن الثامن ق.م في موقع تل برسيب "تل أحمر", ققد تم العثور على لوحات جدارية غاية في الأهمية , ويعتبر هذا الموقع مقراً ريفياً للملك الأشوري تجلات بلاصر الثالث , وقد استخدمت في هذه اللوحات مواضيع اعتيادية تصور حياة الملك وحملاته العسكرية وصيده والأساطير التي كانت سائدة في تلك الفترة , وحيث نرى الملك الأشوري في حملاته العسكرية وصور صيد وأخرى لأرباب حارسة مجنحة , وتسلسل الألوان في رسومات تل برسيب نرى الأحمر والأزرق والأسود وعلى خلفية من الملاط الأبيض .
ففي متحف حلب يوجد قطعتان جميلتان تمثلان ضابط أشوري وموظفون في البلاط الأشوري (الصورة رقم " 12 ") حيث استخدمت ألوان الأسود والأزرق وتدرجات مختلفة من اللون الأحمر , وقد رسمت فوق خلفية بيج فاتحة وحددت الخطوط الأساسية أولاً باللون الأحمر أو الأسود ثم لونت المساحات بشكل منتظم
وفي موقع أخر هو تل الشيخ حمد وتسمى قديما ( دور كتليمو الاشورية ) بالقرب من دير الزور , فقد تم العثور في عام 1986 على بقايا رسوم جدارية في البناء رقم G من الغرفة رقم B على أحد الجدران مشهدا لعدة أشجار وبعض الحيوانات , وعثر على كتابة مسمارية لأول مرة بطريقة الرسم باللون و ترجمتها ( بيت الحديقة ) ( الصورة رقم 13 ), وعثر على بقايا لزهرة اللوتس , ومن الملاحظ ان مشروع تزيين الجدران بالرسومات لم يكتمل , وتعود هذه الرسومات الى القرن السادس ق.م اي المراحل الاخيرة للامبراطورية الاشورية .( الصورة رقم 14 ) .
ونصل بنا إلى فترة العصر الهلينيستي في القرن الثالث قبل الميلاد , ففي شرق سورية بالقرب من مدينة البوكمال , موقع مهم يسمى موقع دورا اوربوس ( صالحية الفرات ) ,وقد بنيت هذه المدينة أيام بعهد سلوقس نيكاتور احد قواد الاسكندر المقدوني في القرن الثالث ق.م , وتنقب فيه حالياً بعثة فرنسية- سورية مشتركة , وقد تم العثور على رسومات جدارية رائعة غاية في الأهمية في 1922 تمثل أحداثاً تاريخية مصورة مقتبسة من روايات التوراة وقصة خروج موسى من مصر , ويعود تاريخ الرسومات الى القرن الثاني والثالث ميلادي , وقد تميزت هذه الجداريات بالطابع المحلي ولكن بتأثيرات رومانية وبارثية وسورية شرقية , حيث رسمت على أربعة جدران موزعة بأربعة صفوف متوازية وقد شكلت بأيدي فنانين سوريين .( الصورة رقم 15 )
لذلك من هنا نعتبرها وثيقة هامة لفن التصوير الجداري الديني في ذلك العصر , وأيضاً تم العثور على لوحة جميلة لربة النصر بنفس الموقع ويسمى بالحمام البارثي (الصورة رقم " 16 ").
وفي تدمر الإمارة العربية في الفترة الرومانية , فقد تم العثور على مدفن تحت الأرض سمي بمدفن الأخوان الثلاث ويعود لفترة ماقبل 191م بدلالة الكتابات , وتمثل هذه الرسومات مشاهد جميلة لنسوة مجنحات واقفات على كرات أرضية ويحملن إطر دائرية , وتعتبر هذه الرسومات هامة جداً من الناحية الاسلوبية والايقونية فهي تغني معرفتنا بفن الشرق الأدنى في العهدين الهلنستي و الروماني ( الصورة رقم 17 )
وفي أفاميا أيضاً اكتشفت رسوم جدارية تعود الى النصف الثاني من القرن الثاني ميلادي , وفي مصياف أيضاً تم اكتشاف رسوم جدارية في مدفن غاية في الأهمية رغم قلتها ويعود أيضاً الى العهد الروماني حيث يضم المدفن 13 مدفناً فردياً محفوراً بالصخر , وفي الأعلى بقايا رسوم تمثل اساطير الإغريق والرومان وأيضاً تحمل كتابة بالقرب من كل شخص ومن الأشخاص نرى هرمس و هادس و فيرجينا و نرسيس (الصورة رقم 18 ").
وهناك العديد من المواقع المهمة والتي اكتشف فيها الرسوم الجدارية منها وأهمها مدفن حورته في حماه بالقرب من افاميا , هذا المدفن يعتبر من أجمل وأكثر الرسومات التي اكتشفت فيه , مع العلم انه ليس بحالة جيدة , فكان عدد طبقات الرسومات خمسة طبقات , وتعتبر من أجمل الرسومات التي اكتشفت إلى الآن وهى تعطي نموذجا جيدا عن الميثولوجيا الاغريقية والرومانية . ( الصورة رقم 19 ) .
ويصل بنا المطاف الى الحضارة الاسلامية , فمنذ دخول الفاتحين المسلمين إلى سوريا في القرن السادس ادخلوا معهم أسلوبا جديدا وطابعا مميزا يتماشى مع الدين الجديد , ومزج مع الطابع المحلي ليشكل منه نموذجا وصلت نفحاته إلى أوربا الغارقة وقتذاك في الظلام والجهل .
فالشواهد كثيرة والأدلة كثيرة فهذا قصر الحير الشرقي والغربي في صحراء تدمر وها هو قصير عمرة وقصر المشتى وخربة المفجر في الاردن , كلها تعطي شواهد حقيقية بأن الفن الإسلامي ليس فناً بدائياً, وبالتحديد فن الرسوم الجدارية في العهد الإسلامي , فقدكان محط أفكار ونظريات وأراء بين التحريم للتصوير والإباحة فيه ونحن الأن لسنا بصدد هذا الحديث لأنه موضوع معقد ويحتاج إلى وقفة طويلة معه .
لقد قام الأستاذ القدير شلومبرجيه 1930 بالكشف عن جداريات قصر الحير الغربي بالقرب من تدمر وقام بدراستها دراسة وافية .
لقد استخدم الأمويون طرازاً آخر في الجداريات , فبدل رصف الأرضية بالفسيفساء قاموا برصف الأرضية بخلطة من الجير والرماد , ومن ثم رسمت وقد صورت طرازاً اغريقياً معروفاً مثل أوراق العنب والحيوان وصورة "الكنتوروس البحري" , كما أطلق عليه شلومبرجيه في رسومات قصر الحير الغربي , حيث نرى مشهداً معروفاً هو مشهد صيد , ونرى فارساً يطارد الحيوانات بسهامه ويرتدي ملابس ثمينة بطراز ساساني كما يبدو أيضاً رسم العازفتين الموجودتين بأعلى الصورة , وهناك لوحة اخرى تصور في منتصفها صورة لأمرأة بإطار دائري فهي تصور "جيا" ألهة الأرض والتي تظهر بسبب علاقتها الجهنمية , وقد طوقت عنقها أفعى وحول هذا الشكل الدائري ميدان مستطيل فسيح محاط باطار مشغول بزخارف من فروع نباتية تضم عناقيد من الأعناب , وفي هذه الصورة أدخلت عدة مدارس فنرى المدرسة الساسانية والإغريقية والرومانية والطابع المحلي لم يخفى عن هذا أيضاً . (الصورة رقم " 20 ").
وقصير عمرة في الاردن مثال أخر للفن الذي وصل إليه في الفترة الإسلامية وخاصة الفترة الأموية . ( الصورة رقم 21 )
وقد استمر الفن المسيحي البيزنطي والسرياني في سوريا في فترة العهود العربية والإسلامية المتعاقبة حيا وحتى بدخول الغزوات الصليبية المتعاقبة على المنطقة العربية , ظل هذا الفن الشرقي المحلي مستمرا دون أي خوف بالرغم من ما أحدثه الصليبيون في الشرق العربي من ويلات على شعوب المنطقة العربية والإسلامية, وهذا دليل على التسامح الديني بين شعوب المنطقة الواحدة ودليل ذلك الاديرة والكنائس الكثيرة المنتشرة في العديد من المناطق .
ومن بين شواهد القرن الثاني عشر جداريات دير مار يعقوب في قارة قرب دمشق ( الصورة رقم 22 ) والذي يصور في جدارياته العديد من الحوادث الدينية التي ذكرها الانجيل , وقد نفذت على طبقتين ولفترتين زمنتين ( القرن 11 و12 ميلادي ) , وأيضا جداريات مار موسى الحبشي بالقرب من النبك-دمشق ( الصورة رقم 23 ) التي تعود أيضا إلى القرن الحادي عشر وحتى الثالث عشر , وحتى انه يلحظ ان رسام جداريات مار يعقوب هو نفسه الذي رسم رسومات مار موسى الحبشي وبنفس التقنية .
ورسومات قلعة المرقب ( الصورة رقم 24 ) وقلعة الحصن ( الصورة رقم 25 ) ايضا تحمل نفس المضامين الدينية والتاريخية وتقنيات تنفيذ الرسومات نراها نفسها في هذه المواقع , وهذا التطور ناتج عن اعتبارات لها مضامين سياسية وفكرية وثقافية وذلك نتيجة حركة المد والجزر بين شعوب المنطقة والاقوام الغازية لهذه المناطق وخاصة من خلال الحملات الصليبية المتكررة , وكل هذه الامور والحوادث اغنت هذا الفن الرفيع وصقلته بشكل جيد , وهذا الامر سنفصله في دراسة لاحقة .
وبهذه الاطلالة السريعة والتي لم نعطها حقها , وذلك فقط لكون الموضوع بحاجة الى دراسة تاريخية معمقة , فقد أوجزنا فيها الكثير .
فدراسة تاريخ نشأة الرسوم الجدارية وطرق ترميمها تحتاج الى تعمق كبير في أمور كثيرة منها كيف نشأت ولماذا نشأت , كل هذه الامور يجب تفصيلها , حتى نفهم الموضوع بشكل كامل , وترميم الرسوم موضوع بحد ذاته بحاجة الى توسع كبير جدا , وسنقوم بفرد دراسة خاصة عن ترميم الرسوم الجدارية اسلوبا وتقنيات وفلسفة لاحقا ..
فهرس الصور :
1. الصورة رقم 1 مغارة لاسكو فرنسا
2. الصورة رقم 2 صورة طبعة اليد لاسكو – فرنسا
3. الصورة رقم 3 شاتال هيوك- تركيا
4. الصورة رقم 4 موقع ام الدباغية – العراق
5. الصورة رقم 5 تل بقرص – سورية
6. الصورة رقم 6 تل حالولة – سورية
7. الصورة رقم 7 تل حلاوة- سورية
8. الصورة رقم 8 تل السويحات – سورية
9. الصورة رقم 9 لوحة التنصيب-ماري – سورية
10. الصورة رقم 10 لوحة التضحية – ماري – سورية
11. الصورة رقم11- تل سكا – سورية
12. الصورة رقم 12 تل احمر ( برسيب ) – سورية
13. الصورة رقم 13 تل الشيخ حمد – سورية
14. الصورة رقم 14 تل الشيخ حمد – سورية
15. الصورة رقم 15 دورا اوروبوس – سورية
16. الصورة رقم 16 دورا اوروبوس –الحمام البارثي- سورية
17. الصورة رقم 17 مدفن الاخوان الثلاث- تدمر – سورية
18. الصورة رقم 18 مدفن مصياف – سورية
19. الصورة رقم 19 مدفن حورته – سورية
20. الصورة رقم 20 قصر الحير الغربي – سورية
21. الصورة رقم 21 قصير عمرة – الاردن
22. الصورة رقم 22 دير مار يعقوب – سورية
23. الصورة رقم 23 دير مار موسى الحبشي – الاردن
24. الصورة رقم 24 رسومات قلعة المرقب – سورية
25. الصورة رقم 25 رسومات قلعة الحصن – سورية
• المراجع العربية والأجنبية
مسيرة الحضارة / المعرفة / مجلد 1 / دار المختار
الموسوعة الأثرية العالمية
تاريخ افريقية العام . منشورات Unisco
تاريخ افريقية العام مجلد 1 / منشورات Unisco
سورية مهد الحضارة - د. محمد وحيد خياطة
اضاءات من الذاكرة القديمة - علي القيم . دمشق 1986
ماري اندريه بارو - تر.رباح نفاخ - وزارة الثقافة - دمشق 1979
من فنون سومر واكاد آ. مورتغارت
الفكر العربي ( سورية مهد الحضارات ) د . محمد وحيد خياطة
موجز في تاريخ سورية القديم د. محمد حرب فرزت 1988-1989
عصور ما قبل التاريخ د. سلطان محيسن 1989
أثار الوطن العربي القديم د . سلطان محيسن 1989
أثار بلاد الرافدين سيتون لويد - تر. د.سامي سعيد الأحمد .منشورات دار الرشيد 1980
الأثار السورية "سورية ملتقى الشعوب والحضارات" د. عفيف البهنسي
الحوليات الاثرية السورية دمشق . 1986-1987
كنيس دورا اوربوس بشير زهدي
الفنون الزخرفية الاسلامية في مصرقبل الفاطميين
د . محمدعبدالعزيز مرزوق .مكتبةالانجلوالمصرية 1974
فن التصوير عند العرب ريتشارد ايتنكهاوزن - تر. عيسى سلمان . سليم طه التكريتي
مواقع متنوعة من الانترنت
• Archeologie Et Histoire De La Syrie
• Levant XXV 1993
• Syria 1954
• Amercan Journal Of Archeology 1994
• Halawa 1980-1986 Winfried Orthmann
Saarbrucker Benragezur Altertumskund Band52 1989
• Tall Munbaqa Bronzezeit in Syrien Peter Werner 1998
• Syria Tome XXV 1946
• Chronologique Archeologique en Syrie 1998 ( tell halula 1997 Miquel Molist )
• DE LA SCAUX AU GRAND LOUVRE Archeologie et histoire en france